السبت، 12 نوفمبر 2016

خواطر الإمام الشيخ محمد متوليالشعراوي في تفسير الآية ذلك الكتاب لا ريبفيه هدى للمتقين- البقرة

{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}
قال الإمام الجليل الشيخ محمد متولي الشعراوي يشرح :
في الآية الثانية من سورة البقرة وصف الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بأنه الكتاب. وكلمة (قرآن) معناها أنه يُقرأ، وكلمة (كتاب) معناها أنه لا يحفظ فقط في الصدور، ولكن يُدوّن في السطور، ويبقى محفوظاً إلى يوم القيامة، والقول بأنه الكتاب، تمييز له عن كل كتب الدنيا، وتمييز له عن كل الكتب السماوية التي نزلت قبل ذلك، فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل احكام السماء، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة، وهذا تأكيد لارتفاع شأن القرآن وتفرده وسماويته ودليل على وحدانية الخالق، فمنذ فجر التاريخ، نزلت على الأمم السابقة كتب تحمل منهج السماء، ولكن كل كتاب وكل رسالة نزلت موقوتة، في زمانها ومكانها، تؤدي مهمتها لفترة محددة وتجاه قوم مُحَّددين.

فرسالة نوح عليه السلام كانت لقومه، وكذلك ابراهيم ولوط وشعيب وصالح عليهم السلام.. كل هذه رسالات كان لها وقت محدود، تمارس مهمتها في الحياة، حتى يأتي الكتاب وهو القرآن الكريم الجامع لمنهج الله سبحانه وتعالى. ولذلك بُشر في الكتب السماوية التي نزلت قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام بأن هناك رسولا سيأتي، وأنه يحمل الرسالة الخاتمة للعالم، وعلى كل الذين يصدقون بمنهج السماء أن يتبعوه.. وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} [من الآية 157 سورة الأعراف] والقرآن هو الكتاب، لأنه لن يصل اليه أي تحريف أو تبديل، فرسالات السماء السابقة ائتمن الله البشر عليها، فنسوا بعضها، وما لم ينسوه حرفوه، وأضافوا إليه من كلام البشر، ما نسبوه إلى الله سبحانه وتعالى ظلما وبهتانا، ولكن القرآن الكريم محفوظ من الخالق الأعلى، مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ومعنى ذلك ألا يرتاب انسان في هذا الكتاب، لأن كل ما فيه من منهج الله محفوظ منذ لحظة نزوله إلى قيام الساعة بقدرة الله سبحانه وتعالى.

يقول الحق جل جلاله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.

والإِعجاز الموجود في القرآن الكريم هو في الأسلوب وفي حقائق القرآن وفي الآيات وفيما رُوِىَ لنا من قصص الأنبياء السابقين، وفيما صحح من التوراة والانجيل، وفيما أتى به من علم لم تكن تعلمه البشرية ولازالت حتى الآن لا تعلمه، كل ذلك يجعل القرآن لا ريب فيه، لأنه لو اجتمعت الإنس والجن ما استطاعوا أن يأتوا بآية واحدة من آيات القرآن، ولذلك كلما تأملنا في القرآن وفي أسلوبه، وجدنا أنه بحق لا ريب فيه، لأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بآية، فما بالك بالقرآن.

فهذا الكتاب ارتفع فوق كل الكتب، وفوق مدارك البشر، يوضح آيات الكون، وآيات المنهج، وله في كل عصر معجزات.

إن كلمة الكتاب التي وصف الله سبحانه وتعالى بها القرآن تمييزا له عن كل الكتب السابقة، تلفتنا إلى معان كثيرة، تحدد لنا بعض أساسيات المنهج التي جاء هذا الكتاب ليبلغنا بها. 

وأول هذه الأساسيات، أن نزول هذا الكتاب، يستوجب الحمد لله سبحانه وتعالى. واقرأ في سورة الكهف: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} [الكهف: 1-2] ويلفت الله سبحانه وتعالى عباده الى أن إنزاله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم يستوجب الحمد من البشر جميعا، لأن فيه منهج السماء، وفيه الرحمة من الله لعباده، وفيه البشارة بالجنة والطريق اليها، وفيه التحذير من النار وما يقود اليها، وهذا التحذير أو الإنذار هو رحمة من الله تعالى لخلقه. لأنه لو لم ينذرهم لفعلوا ما يستوجب العذاب، ويجعلهم يخلدون في عذاب اليم. ولكن الكتاب الذي جاء ليلفتهم الى ما يغضب الله، حتى يتجنبوه، إنما جاء برحمة تستوجب الحمد، لأنها أرتنا جميعاً، الطريق الى النجاة من النار، ولو لم ينزل الله سبحانه وتعالى الكتاب، ما عرف الناس المنهج الذي يقودهم الى الجنة، وما استحق احد منهم رضا الله ونعيمه في الآخرة.


وفي سورة الكهف، نجد تأكيداً آخر.. ان كتاب الله، وهو القرآن الكريم لن يستطيع بشر أن يبدل منه كلمة واحدة، واقرأ قوله جل جلاله: {واتل ما أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الكهف: 27] ويبين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب، جاء لنفع الناس، ولنفع العباد، وأن الله ليس محتاجاً لخلقه، فهو قادر على أن يقهر من يشاء على الطاعة، ولا يمكن لخلق من خلق الله أن يخرج من كون الله عن مرادات الله، واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 1- 4] ويأتي الله سبحانه وتعالى بالقسم الذي يلفتنا الى أن كل كلمة من القرآن هي من عند الله، كما ابلغها جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين} [الواقعة: 75- 80] ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى الى ذلك الكتاب الذي هو منهج للانسان على الأرض، فبعد أن بين لنا جل جلاله، بما لا يدع مجالا للشك أن الكتاب منزل من عنده، وأنه يصحح الكتب السابقة كالتوراة، والانجيل والتي أئتمن الله عليها البشر، فحرفوها وبدلوها، وهذا التحريف أبطل مهمة المنهج الإلهي بالنسبة لهذه الكتب، فجاء الكتاب الذي لم يصل اليه تحريف ولا تبديل، ليبقى منهجاً لله، الى ان تقوم الساعة.

أول ما جاء به هذا الكتاب هو إيمان القمة، بأنه لا إله إلا الله الواحد الأحد.. والله سبحانه وتعالى يقول: {الم الله لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل} [آل عمران: 1- 3] وهكذا نعرف ان الكتاب نزل ليؤكد لنا، ان الله واحد أحد، لا شريك له، وأن القرآن يشتمل على كل ما تضمنته الشرائع السماوية من توراة وانجيل، وغيرها من الكتب.

فالقرآن نزل ليفرق بين الحق الذي جاءت به الكتب السابقة، وبين الباطل الذي أضافه أولئك الذي ائتمنوا عليها.

ثم يحدد الحق تبارك وتعالى لنا مهمتنا في أن هذا الكتاب مطلوب أن نبلغه للناس جميعاً، واقرأ قوله سبحانه: {المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 1- 2] فالخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، يتضمن خطابا لأمته جميعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم كلف بأن يبلغ الكتاب للناس، ونحن مكلفون بأن نتبع المنهج نفسه ونبلغ ما جاء في القرآن للناس حتى يكون الحساب عدلا، وأنهم قد بلغوا منهج الله، ثم كفروا به أو تركوه، إذن فإبلاغ الكتاب من المهمات الأساسية التي حددها الله سبحانه وتعالى بالنسبة للقرآن.

والكتاب فيه رد على حجج الكفار وأباطيلهم. واقرأ قول الله تبارك وتعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الكافرون إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس: 1- 2] وفي هذه الآيات الكريمة: يلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى حقيقتين.. الحقيقة الأول هي أن الكفار يتخذون من بشرية الرسول حُجة بأن هذا الكتاب ليس من عند الله. وكان الرد هو: أن كل الرسل السابقين كانوا بشراً، فما هو العجب في أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً بشراً. واللفتة الثانية هي ان هذا القرآن مكتوب بالحروف نفسها التي خلقها الله لنا لنكتب بها، ومع ذلك فإن القرآن الكريم نزل مستخدماً لهذه الحروف التي يعرفها الناس جميعاً، معجزاً في ألا يستطيع الانس والجن، مجتمعين أن يأتوا بسورة واحدة منه. ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى لفتة اخرى الى أن هذا الكتاب محكم الآيات، ثم بينه الله لعباده، واقرأ قوله جل جلاله في سورة هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 1- 2] هذه هي بعض الآيات في القرآن الكريم، التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا فيها الى معنى الكتاب، فآياته من عند الله الحكيم الخبير، وكل آية فيها اعجاز مُتَحدَّى به الإنس والجن، وهذا الكتاب لابد أن يبلغ للناس جميعاً، فالكتاب ينذرهم ألا يعبدوا إلا الله، ليكون الحساب عدلا في الآخرة، فمن أنذر وأطاع كان له الجنة، ومن عصى كانت له النار والعياذ بالله.


ثم يلفتنا الله الى ان هذا الكتاب فيه قصص الأنبياء السابقين منذ آدم عليه السلام، يقول جل جلاله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين} [يوسف: 1- 3] وهكذا نجد أن القرآن الكريم، قد جاء ليقص علينا أحسن القصص بالنسبة للأنبياء السابقين، والأحداث التي وقعت في الماضي، ولم يأت القرآن بهذه القصص للتسلية أو للترفيه، وإنما جاء بها للموعظة ولتكون عبرة ايمانية، ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان. ففرعون هو كل حاكم طغى في الأرض، ونصب نفسه إلها، وقارون هو كل من أنعم الله عليه فنسب النعمة الى نفسه، وتكبر وعصى الله، وقصة يوسف هي قصة كل اخوة حقدوا على أخ لهم، وتآمروا عليه، وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم، فنشر الله لهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فهي معجزة لن تتكرر ولذلك عرف الله سبحانه وتعالى ابطالها، فقال عيسى بن مريم وقال مريم ابنة عمران.

********** نشر م/ اسامة محمود خليل
المكتب الفني الهندسي 
انشاءات معمارية و صيانة مباني 

السبت، 29 أكتوبر 2016

في خواطره لسورة البقر يقول الشيخ الإمام محمد مولي الشعراوي

والكتاب فيه رد على حجج الكفار وأباطيلهم. واقرأ قول الله تبارك وتعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الكافرون إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس: 1- 2] وفي هذه الآيات الكريمة: يلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى حقيقتين.. الحقيقة الأول هي أن الكفار يتخذون من بشرية الرسول حُجة بأن هذا الكتاب ليس من عند الله. وكان الرد هو: أن كل الرسل السابقين كانوا بشراً، فما هو العجب في أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً بشراً. واللفتة الثانية هي ان هذا القرآن مكتوب بالحروف نفسها التي خلقها الله لنا لنكتب بها، ومع ذلك فإن القرآن الكريم نزل مستخدماً لهذه الحروف التي يعرفها الناس جميعاً، معجزاً في ألا يستطيع الانس والجن، مجتمعين أن يأتوا بسورة واحدة منه. ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى لفتة اخرى الوالكتاب فيه رد على حجج الكفار وأباطيلهم. واقرأ قول الله تبارك وتعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الكافرون إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس: 1- 2] وفي هذه الآيات الكريمة: يلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى حقيقتين.. الحقيقة الأول هي أن الكفار يتخذون من بشرية الرسول حُجة بأن هذا الكتاب ليس من عند الله. وكان الرد هو: أن كل الرسل السابقين كانوا بشراً، فما هو العجب في أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً بشراً. واللفتة الثانية هي ان هذا القرآن مكتوب بالحروف نفسها التي خلقها الله لنا لنكتب بها، ومع ذلك فإن القرآن الكريم نزل مستخدماً لهذه الحروف التي يعرفها الناس جميعاً، معجزاً في ألا يستطيع الانس والجن، مجتمعين أن يأتوا بسورة واحدة منه. ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى لفتة اخرى الى أن هذا الكتاب محكم الآيات، ثم بينه الله لعباده، واقرأ قوله جل جلاله في سورة هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 1- 2] هذه هي بعض الآيات في القرآن الكريم، التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا فيها الى معنى الكتاب، فآياته من عند الله الحكيم الخبير، وكل آية فيها اعجاز مُتَحدَّى به الإنس والجن، وهذا الكتاب لابد أن يبلغ للناس جميعاً، فالكتاب ينذرهم ألا يعبدوا إلا الله، ليكون الحساب عدلا في الآخرة، فمن أنذر وأطاع كان له الجنة، ومن عصى كانت له النار والعياذ بالله.

ثم يلفتنا الله الى ان هذا الكتاب فيه قصص الأنبياء السابقين منذ آدم عليه السلام، يقول جل جلاله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين} [يوسف: 1- 3] وهكذا نجد أن القرآن الكريم، قد جاء ليقص علينا أحسن القصص بالنسبة للأنبياء السابقين، والأحداث التي وقعت في الماضي، ولم يأت القرآن بهذه القصص للتسلية أو للترفيه، وإنما جاء بها للموعظة ولتكون عبرة ايمانية، ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان. ففرعون هو كل حاكم طغى في الأرض، ونصب نفسه إلها، وقارون هو كل من أنعم الله عليه فنسب النعمة الى نفسه، وتكبر وعصى الله، وقصة يوسف هي قصة كل اخوة حقدوا على أخ لهم، وتآمروا عليه، وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم، فنشر الله لهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فهي معجزة لن تتكرر ولذلك عرف الله سبحانه وتعالى ابطالها، فقال عيسى بن مريم وقال مريم ابنة عمران.
*/*/*/*/*/*/*/*/*/*/*
اختيار  نشر 
مهندس / اسامة محمود خليل
المكتب الفني الهندسي 
انشاءات معمارية 
ى أن هذا الكتاب محكم الآيات، ثم بينه الله لعباده، واقرأ قوله جل جلاله في سورة هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [هود: 1- 2] هذه هي بعض الآيات في القرآن الكريم، التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا فيها الى معنى الكتاب، فآياته من عند الله الحكيم الخبير، وكل آية فيها اعجاز مُتَحدَّى به الإنس والجن، وهذا الكتاب لابد أن يبلغ للناس جميعاً، فالكتاب ينذرهم ألا يعبدوا إلا الله، ليكون الحساب عدلا في الآخرة، فمن أنذر وأطاع كان له الجنة، ومن عصى كانت له النار والعياذ بالله.

ثم يلفتنا الله الى ان هذا الكتاب فيه قصص الأنبياء السابقين منذ آدم عليه السلام، يقول جل جلاله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذا القرآن وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين} [يوسف: 1- 3] وهكذا نجد أن القرآن الكريم، قد جاء ليقص علينا أحسن القصص بالنسبة للأنبياء السابقين، والأحداث التي وقعت في الماضي، ولم يأت القرآن بهذه القصص للتسلية أو للترفيه، وإنما جاء بها للموعظة ولتكون عبرة ايمانية، ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان. ففرعون هو كل حاكم طغى في الأرض، ونصب نفسه إلها، وقارون هو كل من أنعم الله عليه فنسب النعمة الى نفسه، وتكبر وعصى الله، وقصة يوسف هي قصة كل اخوة حقدوا على أخ لهم، وتآمروا عليه، وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم، فنشر الله لهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فهي معجزة لن تتكرر ولذلك عرف الله سبحانه وتعالى ابطالها، فقال عيسى بن مريم وقال مريم ابنة عمران.

مع الإمام الشيخ / محمد متولي لشعراوي في خواطره حول سورة البقرة

*و يستطرد الإمام في خواطره إكمالا لتفسير سورة البقرة
*1والله سبحانه وتعالى يقول: {هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكتاب وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتغاء الفتنة وابتغاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله والراسخون فِي العلم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} [آل عمران: 7] اذن فعدم فهمنا للمتشابه لا يمنع أن نستفيد من سر وضعه الله في كتابه.. ونحن نستفيد من أسرار الله في كتابه فهمناها أم لم نفهمها.
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}

في الآية الثانية من سورة البقرة وصف الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بأنه الكتاب. وكلمة (قرآن) معناها أنه يُقرأ، وكلمة (كتاب) معناها أنه لا يحفظ فقط في الصدور، ولكن يُدوّن في السطور، ويبقى محفوظاً إلى يوم القيامة، والقول بأنه الكتاب، تمييز له عن كل كتب الدنيا، وتمييز له عن كل الكتب السماوية التي نزلت قبل ذلك، فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل احكام السماء، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة، وهذا تأكيد لارتفاع شأن القرآن وتفرده وسماويته ودليل على وحدانية الخالق، فمنذ فجر التاريخ، نزلت على الأمم السابقة كتب تحمل منهج السماء، ولكن كل كتاب وكل رسالة نزلت موقوتة، في زمانها ومكانها، تؤدي مهمتها لفترة محددة وتجاه قوم مُحَّددين.

فرسالة نوح عليه السلام كانت لقومه، وكذلك ابراهيم ولوط وشعيب وصالح عليهم السلام.. كل هذه رسالات كان لها وقت محدود، تمارس مهمتها في الحياة، حتى يأتي الكتاب وهو القرآن الكريم الجامع لمنهج الله سبحانه وتعالى. ولذلك بُشر في الكتب السماوية التي نزلت قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام بأن هناك رسولا سيأتي، وأنه يحمل الرسالة الخاتمة للعالم، وعلى كل الذين يصدقون بمنهج السماء أن يتبعوه.. وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} [من الآية 157 سورة الأعراف] والقرآن هو الكتاب، لأنه لن يصل اليه أي تحريف أو تبديل، فرسالات السماء السابقة ائتمن الله البشر عليها، فنسوا بعضها، وما لم ينسوه حرفوه، وأضافوا إليه من كلام البشر، ما نسبوه إلى الله سبحانه وتعالى ظلما وبهتانا، ولكن القرآن الكريم محفوظ من الخالق الأعلى، مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ومعنى ذلك ألا يرتاب انسان في هذا الكتاب، لأن كل ما فيه من منهج الله محفوظ منذ لحظة نزوله إلى قيام الساعة بقدرة الله سبحانه وتعالى.
يقول الحق جل جلاله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.

والإِعجاز الموجود في القرآن الكريم هو في الأسلوب وفي حقائق القرآن وفي الآيات وفيما رُوِىَ لنا من قصص الأنبياء السابقين، وفيما صحح من التوراة والانجيل، وفيما أتى به من علم لم تكن تعلمه البشرية ولازالت حتى الآن لا تعلمه، كل ذلك يجعل القرآن لا ريب فيه، لأنه لو اجتمعت الإنس والجن ما استطاعوا أن يأتوا بآية واحدة من آيات القرآن، ولذلك كلما تأملنا في القرآن وفي أسلوبه، وجدنا أنه بحق لا ريب فيه، لأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بآية، فما بالك بالقرآن.

فهذا الكتاب ارتفع فوق كل الكتب، وفوق مدارك البشر، يوضح آيات الكون، وآيات المنهج، وله في كل عصر معجزات.

إن كلمة الكتاب التي وصف الله سبحانه وتعالى بها القرآن تمييزا له عن كل الكتب السابقة، تلفتنا إلى معان كثيرة، تحدد لنا بعض أساسيات المنهج التي جاء هذا الكتاب ليبلغنا بها. 

وأول هذه الأساسيات، أن نزول هذا الكتاب، يستوجب الحمد لله سبحانه وتعالى. واقرأ في سورة الكهف: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} [الكهف: 1-2] ويلفت الله سبحانه وتعالى عباده الى أن إنزاله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم يستوجب الحمد من البشر جميعا، لأن فيه منهج السماء، وفيه الرحمة من الله لعباده، وفيه البشارة بالجنة والطريق اليها، وفيه التحذير من النار وما يقود اليها، وهذا التحذير أو الإنذار هو رحمة من الله تعالى لخلقه. لأنه لو لم ينذرهم لفعلوا ما يستوجب العذاب، ويجعلهم يخلدون في عذاب اليم. ولكن الكتاب الذي جاء ليلفتهم الى ما يغضب الله، حتى يتجنبوه، إنما جاء برحمة تستوجب الحمد، لأنها أرتنا جميعاً، الطريق الى النجاة من النار، ولو لم ينزل الله سبحانه وتعالى الكتاب، ما عرف الناس المنهج الذي يقودهم الى الجنة، وما استحق احد منهم رضا الله ونعيمه في الآخرة.

وفي سورة الكهف، نجد تأكيداً آخر.. ان كتاب الله، وهو القرآن الكريم لن يستطيع بشر أن يبدل منه كلمة واحدة، واقرأ قوله جل جلاله: {واتل ما أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الكهف: 27] ويبين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب، جاء لنفع الناس، ولنفع العباد، وأن الله ليس محتاجاً لخلقه، فهو قادر على أن يقهر من يشاء على الطاعة، ولا يمكن لخلق من خلق الله أن يخرج من كون الله عن مرادات الله، واقرأ قوله سبحانه وتعالى: {طسم تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 1- 4] ويأتي الله سبحانه وتعالى بالقسم الذي يلفتنا الى أن كل كلمة من القرآن هي من عند الله، كما ابلغها جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين} [الواقعة: 75- 80] ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى الى ذلك الكتاب الذي هو منهج للانسان على الأرض، فبعد أن بين لنا جل جلاله، بما لا يدع مجالا للشك أن الكتاب منزل من عنده، وأنه يصحح الكتب السابقة كالتوراة، والانجيل والتي أئتمن الله عليها البشر، فحرفوها وبدلوها، وهذا التحريف أبطل مهمة المنهج الإلهي بالنسبة لهذه الكتب، فجاء الكتاب الذي لم يصل اليه تحريف ولا تبديل، ليبقى منهجاً لله، الى ان تقوم الساعة.

أول ما جاء به هذا الكتاب هو إيمان القمة، بأنه لا إله إلا الله الواحد الأحد.. والله سبحانه وتعالى يقول: {الم الله لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل} [آل عمران: 1- 3] وهكذا نعرف ان الكتاب نزل ليؤكد لنا، ان الله واحد أحد، لا شريك له، وأن القرآن يشتمل على كل ما تضمنته الشرائع السماوية من توراة وانجيل، وغيرها من الكتب.

فالقرآن نزل ليفرق بين الحق الذي جاءت به الكتب السابقة، وبين الباطل الذي أضافه أولئك الذي ائتمنوا عليها.

ثم يحدد الحق تبارك وتعالى لنا مهمتنا في أن هذا الكتاب مطلوب أن نبلغه للناس جميعاً، واقرأ قوله سبحانه: {المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 1- 2] فالخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، يتضمن خطابا لأمته جميعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم كلف بأن يبلغ الكتاب للناس، ونحن مكلفون بأن نتبع المنهج نفسه ونبلغ ما جاء في القرآن للناس حتى يكون الحساب عدلا، وأنهم قد بلغوا منهج الله، ثم كفروا به أو تركوه، إذن فإبلاغ الكتاب من المهمات الأساسية التي حددها الله سبحانه وتعالى بالنسبة للقرآن.

********************
اختيار و نشر 
مهندس/ اسامة محمود خليل
المكتب الفني الهندسي 
للعمارة و الانشاءات 

تابع خواطر الإمام الشيخ الجليل/ محمد متولي الشعراوي مع سورة البقرة

بــقية تفسير الآية{ ألم }

والقرآن الكريم ليس إعجازا في البلاغة فقط. ولكنه يحوي إعجازا في كل ما يمكن للعقل البشري أن يحوم حوله. فكل مفكر متدبر في كلام الله يجد إعجازا في القرآن الكريم. فالذي درس البلاغة رأى الإعجاز البلاغي، والذي تعلم الطب وجد إعجازا طبيا في القرآن الكريم. وعالم النباتات رأى إعجازا في آيات القرآن الكريم، وكذلك عالم الفلك.

وإذا أراد انسان منا أن يعرف معنى هذه الحروف فلا نأخذها على قدر بشريتنا.. ولكن نأخذها على قدر مراد الله فيها.. وقدراتنا تتفاوت وأفهامنا قاصرة. فكل منا يملك مِفْتاحاً من مفاتيح الفهم كل على قدر علمه.. هذا مفتاح بسيط يفتح مرة واحدة وآخر يدور مرتين.. وآخر يدور ثلاث مرات وهكذا.. ولكن من عنده العلم يملك كل المفاتيح، أو يملك المفتاح الذي يفتح كل الأبواب.*-

ونحن لا يجب أن نجهد أذهاننا لفهم هذه الحروف. فحياة البشر تقتضي منا في بعض الأحيان أن نضع كلمات لا معنى لها بالنسبة لغيرنا.. وإذن كانت تمثل أشياء ضرورية بالنسبة لنا. تماما ككلمة السر التي تستخدمها الجيوش لا معنى لها إذا سمعتها. ولكن بالنسبة لمن وضعها يكون ثمنها الحياة أو الموت.. فخذ كلمات الله التي تفهمها بمعانيها.. وخذ الحروف التي لا تفهمها بمرادات الله فيها. فالله سبحانه وتعالى شاء أن يبقى معناها في الغيب عنده....

والقرآن الكريم -لا يؤخذ على نسق واحد -حتى نتنبه ونحن نتلوه أو نكتبه.
لذلك تجد مثلا بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة بدون ألف بين الباء والسين. ومرة تجدها مكتوبة بالألف في قوله تعالى: {اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ} [العلق: 1] وكلمة تبارك مرة تكتب بالألف ومرة بغير الألف.. ولو أن المسألة رتابة في كتابة القرآن لجاءت كلها على نظام واحد. ولكنها جاءت بهذه الطريقة لتكون كتابة القرآن معجزة وألفاظه معجزة.

ونحن نقول للذين يتساءلون عن الحكمة في بداية بعض السور بحروف.. نقول إن لذلك حكمة عند الله فهمناها أو لم نفهمها.. والقرآن نزل على أمة عربية فيها المؤمن والكافر.. ومع ذلك لم نسمع أحداً يطعن في الأحرف التي بدأت بها السور. وهذا دليل على أنهم فهموها بملكاتهم العربية.. ولو أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها.

وأنا أنصح من يقرأ القرآن الكريم للتعبد.. ألا يشغل نفسه بالتفكير في المعنى. أما الذي يقرأ القرآن ليستنبط منه فليقف عند اللفظ والمعنى.. فإذا قرأت القرآن لتتعبد فاقرأه بسر الله فيه.. ولو جلست تبحث عن المعنى.. تكون قد حددت معنى القرآن الكريم بمعلوماتك أنت. وتكون قد أخذت المعنى ناقصا نقص فكر البشر.. ولكن اقرأ القرآن بسر الله فيه.

إننا لو بحثنا معنى كل لفظ في القرآن الكريم فقد أخرجنا الأمي وكل من لم يدرس اللغة العربية دراسة متعمقة من قراءة القرآن. ولكنك تجد أميا لم يقرأ كلمة واحدة ومع ذلك يحفظ القرآن كله. فإذا قلت كيف؟ نقول لك بسر الله فيه.

والكلام وسيلة إفهام وفهم بين المتكلم والسامع. المتكلم هو الذي بيده البداية، والسامع يفاجأ بالكلام لأنه لا يعلم مقدما ماذا سيقول المتكلم.. وقد يكون ذهن السامع مشغولا بشيء آخر.. فلا يستوعب أول الكلمات.. ولذلك قد تنبهه بحروف أو بأصوات لا مهمة لها إلا التنبيه للكلام الذي سيأتي بعدها. وإذا كنا لا نفهم هذه الحروف. فوسائل الفهم والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله. والكلام صفة من صفات المتكلم.. ولذلك لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلى منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها. لأن كلام الله صفة من صفاته.. وصفة فيها كمال بلا نهاية.

فإذا قلت إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم.. فإنك تكون قد حددت معنى كلام الله بعلمك.. ولذلك جاءت هذه الحروف إعجازا لك. حتى تعرف إنك لا تستطيع أن تحدد معاني القرآن بعلمك.

إن عدم فهم الانسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها.. فالريفي مثلا ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر الصناعي وهو لا يعرف عن أي منها شيئا. فلماذا لا يكون الله تبارك وتعالى قد أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من اسرارها ويتنزل الله بها علينا بما أودع فيها من فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو لم يفهمها.

وعطاء الله سبحانه وتعالى وحكمته فوق قدرة فهم البشر.. ولو أراد الانسان أن يحوم بفكره وخواطره حول معاني هذه الحروف لوجد فيها كل يوم شيئا جديدا. لقد خاض العلماء في البحث كثيرا.. وكل عالم أخذ منها على قدر صفائه، ولا يدعي أحد العلماء أن ذلك هو الحق المراد من هذه الحروف.. بل كل منهم يقول والله أعلم بمراده. ولذلك نجد عالما يقول (ألر) و(حم) و(ن) وهي حروف من فواتح السور تكون اسم الرحمن.. نقول إن هذا لا يمكن ان يمثل فهما عاما لحروف بداية بعض سور القرآن.. ولكن ما الذي يتعبكم أو يرهقكم في محاولة ايجاد معان لهذه الحروف؟!.

لو أن الله سبحانه وتعالى :الذي أنزل القرآن يريد أن يفهمنا معانيها.. لأوردها بمعنى مباشر أو أوضح لنا المعنى. فمثلا أحد العلماء يقول إن معنى (ألم) هو أنا الله اسمع وأرى.. نقول لهذا العالم لو أن الله أراد ذلك فما المانع من أن يورده بشكل مباشر لنفهمه جميعا.. لابد أن يكون هناك سر في هذه الحروف.. وهذا السر هو من أسرار الله التي يريدنا أن ننتفع بقراءتها دون أن نفهمها.

ولابد أن نعرف أنه كما أن للبصر حدوداً. وللأذن حدوداً وللمس والشم والتذوق حدوداً، فكذلك عقل الانسان له حدود يتسع لها في المعرفة.. وحدود فوق قدرات العقل لا يصل اليها.

والانسان حينما يقرأ القرآن والحروف الموجودة في أوائل بعض السور يقول إن هذا امر خارج عن قدرته العقلية.. وليس ذلك حجراً أو سَدّاً لباب الاجتهاد.. لأننا إن لم ندرك فإن علينا أن نعترف بحدود قدراتنا أمام قدرات خالقنا سبحانه وتعالى التي هي بلا حدود.
وفي الايمان هناك ما يمكن فهمه - وما لا يمكن فهمه.. فتحريم أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر لا ننتظر حتى نعرف حكمته لنمتنع عنه. ولكننا نمتنع عنه بإيمان أنه مادام الله قد حرمه فقد أصبح حراما.

ولذلك يقول رسول الله صل الله عليه وسلم :: «ما عرفتم من محكمه فاعملوا به، وما لم تدركوا فآمنوا به».

+*+*+*+*+*+*+*+*+*+*+
أختيار و نشر مهندس/ اسامة محمود خليل
المكتب الفني الهندسي
عمارة و ديكور
خرسانة و تشطيبات معمارية رفيعة المستوي

مع الشيخ الإمام محمد متولي الشعراوي في خواطره حول سورة البقرة


يقول الشيخ الإمام عن خواطر و تفسير سورة البقرة :
{الم (1)}
بدأت سورة البقرة بقوله تعالى: {الم}.. وهذه الحروف حروف مقطعة ومعنى مقطعة أن كل حرف ينطق بمفرده. لأن الحروف لها أسماء ولها مسميات.. فالناس حين يتكلمون ينطقون بمسمى الحرف وليس باسمه.. فعندما تقول كتب تنطق بمسميات الحروف. فإذا أردت أن تنطق بأسمائها. تقول كاف وتاء وباء.. ولا يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إلا من تعلم ودرس، أما ذلك الذي لم يتعلم فقد ينطق بمسميات الحروف ولكنه لا ينطق بأسمائها، ولعل هذه أول ما يلفتنا. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ولذلك لم يكن يعرف شيئا عن أسماء الحروف. فإذا جاء ونطق بأسماء الحروف يكون هذا إعجازاً من الله سبحانه وتعالى.. بأن هذا القرآن موحى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم.. ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درس وتعلم لكان شيئا عاديا أن ينطق بأسماء الحروف. ولكن تعالَ إلى أي أمي لم يتعلم.. إنه يستطيع أن ينطق بمسميات الحروف.. يقول الكتاب وكوب وغير ذلك.. فإذا طلبت منه أن ينطق بأسماء الحروف فإنه لا يستطيع أن يقول لك. إن كلمة كتاب مكونة من الكاف والتاء والألف والباء.. وتكون هذه الحروف دالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن ربه. وأن هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى.
*** ونجد في فواتح السور التي تبدأ بأسماء الحروف. تنطق الحروف بأسمائها وتجد الكلمة نفسها في آية أخرى تنطق بمسمياتها. فألم في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لام ميم. بينما تنطقها بمسميات الحروف في شرح السورة في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] وفي سورة الفيل في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} [الفيل: 1] ما الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ينطق {الم} في سورة البقرة بأسماء الحروف.. وينطقها في سورتي الشرح والفيل بمسميات الحروف. لابد أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سمعها من الله كما نقلها جبريل عليه السلام إليه هكذا. إذن فالقرآن أصله السماع لا يجوز أن تقرأه إلا بعد أن تسمعه. 

** لتعرف أن هذه تُقرأ ألف لام ميم والثانية تقرأ ألم.. مع أن الكتابة واحدة في الاثنين.. ولذلك لابد أن تستمع إلى فقيه يقرأ القرآن قبل أن تتلوه.. والذي يتعب الناس أنهم لم يجلسوا إلى فقيه ولا استمعوا إلى قارئ.. ثم بعد ذلك يريدون أن يقرأوا القرآن كأي كتاب. نقول لا.. القرآن له تميز خاص.. إنه ليس كأي كتاب تقرؤه.

لأنه مرة يأتي باسم الحرف. ومرة يأتي بمسميات الحرف. وأنت لا يمكن أن تعرف هذا إلا إذا استمعت لقارئ يقرأ القرآن.


*  والقرآن مبني على الوصل دائما وليس على الوقف، فإذا قرأت في آخر سورة يونس مثلا: {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} [109] لا تجد النون عليها سكون بل تجد عليها فتحة، موصولة بقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم. ولو كانت غير موصولة لوجدت عليها سكونا.

اذن فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل.. ما عدا فواتح السور المكونة من حروف فهي مبنية على الوقف.. فلا تقرأ في أول سورة البقرة: {الم} والميم عليها ضمة. بل تقرأ ألفا عليها سكون ولاما عليها سكون وميما عليها سكون. اذن كل حرف منفرد بوقف. مع أن الوقف لا يوجد في ختام السور ولا في القرآن الكريم كله.

وهناك سور في القرآن الكريم بدأت بحرف واحد مثل قوله تعالى: { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] {ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1] ونلاحظ أن الحرف ليس آية مستقلة. بينما (ألم) في سورة البقرة آية مستقلة. و: (حم). و: (عسق) آية مستقلة مع أنها كلها حروف مقطعة. وهناك سور تبدأ بآية من خمسة حروف مثل (كهيعص) في سورة مريم.. وهناك سور تبدأ بأربعة حروف. مثل (المص) في سورة (الأعراف). وهناك سور تبدأ بأربعة حروف وهي ليست آية مستقلة مثل (ألمر) في سورة (الرعد) متصلة بما بعدها.. بينما تجد سورة تبدأ بحرفين هما آية مستقلة مثل: (يس) في سورة يس. و(حم) في سورة غافر وفصلت.. و: (طس) في سورة النمل. وكلها ليست موصلة بالآية التي بعدها.. وهذا يدلنا على أن الحروف في فواتح السور لا تسير على قاعدة محددة.

*-* (ألم) مكونة من ثلاث حروف تجدها في ست سور مستقلة.. فهي آية في البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم والسجدة ولقمان. و(الر) ثلاثة حروف ولكنها ليست آية مستقلة. بل جزء من الآية في أربع سور هي: يونس ويوسف وهود وإبراهيم.. و: (المص) من أربعة حروف وهي آية مستقلة في سورة (الأعراف) و(المر) أربعة حروف، ولكنها ليست آية مستقلة في سورة الرعد إذن فالمسألة ليست قانونا يعمم، ولكنها خصوصية في كل حرف من الحروف.

وإذا سألت ما هو معنى هذه الحروف؟.. نقول إن السؤال في أصله خطأ.. لأن الحرف لا يسأل عن معناه في اللغة إلا إن كان حرف معنى.. والحروف نوعان: حرف مَبْنَى وحرف معنى. حرف المبنى لا معنى له إلا للدلالة على الصوت فقط.

أما حروف المعاني فهي مثل في. ومن.. وعلى.. (في) تدل على الظرفية.. و(مِنْ) تدل على الابتداء و(إلى) تدل على الانتهاء.. و(على) تدل على الاستعلاء.. هذه كلها حروف معنى.

وإذا كانت الحروف في أوائل السور في القرآن الكريم قد خرجت عن قاعدة الوصل لأنها مبنية على السكون لابد أن يكون لذلك حكمة.. أولا لنعرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حَسَنَةٌ والحَسَنَةُ بعَشْر أمْثَالها، لا أقولُ ألم حرف ولكن ألفٌ حرْفٌ ولاَمٌ حرف ومِيمٌ حرف».

ولذلك ذكرت في القرآن كحروف استقلالية لنعرف ونحن نتعبد بتلاوة القرآن الكريم أننا نأخذ حسنة على كل حرف. فإذا قرأنا بسم الله الرحمن الرحيم. يكون لنا بالباء حسنة وبالسين حسنة وبالميم حسنة فيكون لنا ثلاثة حسنات بكلمة واحدة من القرآن الكريم. والحسنة بعشر أمثالها. وحينما نقرأ (ألم) ونحن لا نفهم معناها نعرف أن ثواب القرآن على كل حرف نقرؤه سواء فهمناه أم لم نفهمه.. وقد يضع الله سبحانه وتعالى من أسراره في هذه الحروف التي لا نفهمها ثوابا وأجرا لا نعرفه.
ويريدنا بقراءتها أن نحصل على هذا الأجر.
************************
نشر مهندس/ اسامة محمود خليل 
المكتب الفني الهندسي 
تصميم و تنفيذ مشروعات عمارة و مباني 

فاتحة الكتاب و خواطر الشيخ الجليل / محمد متولي الشعراوي (11)

الرحمن الرحيم 
*  اذا انتقلنا إلى قوله تعالى: { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } فمن موجبات الحمد أن الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم.. يعطي نعمه في الدنيا لكل عباده عطاء ربوبية، وعطاء الربوبية للمؤمن والكافر.. وعطاء الربوبية لا ينقطع إلا عندما يموت الإنسان.
* والله لا يحجب نعمه عن عبيده في الدنيا.. ونعم الله لا تعد ولا تحصى ومع كل التقدم في الآلات الحاسبة والعقول الإلكترونية وغير ذلك فإننا لم نجد أحدا يتقدم ويقول أنا سأحصي نعم الله.. لأن موجبات الإحصاء أن تكون قادرا عليه.. فأنت لا تقبل على عد شيء إلا إذا كان في قدرتك أن تحصيه.. ولكن مادام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فإنك لا تقبل عليه.. ولذلك لن يقبل أحد حتى يوم القيامة على إحصاء نعم الله تبارك وتعالى لأن أحدا لا يمكن أن يحصيها.
* ولابد أن نلتفت إلى أن الكون كله يضيق بالإنسان، وأن العالم المقهور الذي يخدمنا بحكم القهر والتسخير يضيق حين يرى العاصين.. لأن المقهور مستقيم على منهج الله قهرا.. فحين يرى كل مقهور الإنسان الذي هو في خدمته عاصيا يضيق.
واقرأ الحديث القدسي لتعرف شيئاً عن رحمة الله بعباده.. يقول الله عز وجل: ” ما من يوم تطلع شمسه إلا وتنادي السماء تقول يا رب إئذن لي أن أسقط كسفا على ابن آدم؛ فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وتقول البحار يا رب إئذن لي أن أغرق ابن آدم؛ فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وتقول الجبال يا رب إئذن لي أن أطبق على ابن آدم؛ فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فيقول الله تعالى: دعوهم دعوهم لو خلقتموهم لرحمتموهم إنهم عبادي فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ” رواه الإِمام أحمد بن حنبل في مسنده “.
** تلك تجليات صفة الرحمن وصفة الرحيم.. وكيف ضمنت لنا بقاء كل ما يخدمنا في هذا الكون مع معصية الإنسان.. إنها كلها تخدمنا بعطاء الربوبية وتبقى في خدمتنا بتسخير الله لها لأنه رحمن رحيم..
بعض الناس قد يتساءل: هل تتكلم الأرض والسماء وغيرها من المخلوقات في عالم الجماد والنبات والحيوان؟ نقول نعم إن لها لغة لا نعرفها نحن وإنما يعرفها خالقها.. بدليل أنه منذ الخلق الأول أبلغنا الحق تبارك وتعالى أن هناك لغة لكل هذه المخلوقات.. واقرأ قوله جل جلاله:
{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ }
[فصلت: 11].
إذن، فالأرض والسماء فهمت كلتاهما عن الله.. وقالت له سبحانه وتعالى { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } ألم يُعَلَمْ الله سليمان منطق الطير ولغة النمل؟ ألم تسبح الجبال مع داود؟ إذن كل خلق الله له ادراكات مناسبة له.. بل له عواطف.. فعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن قوم فرعون.. قال:
{ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ }
[الدخان: 25-29].
إذن، فالسماوات والأرض لهما انفعال.. انفعال يصل إلى مرحلة البكاء.. فهما لم تبكيا على فرعون وقومه.. ولكنهما تبكيان حزنا عندما يفارقهما الإنسان المؤمن المصلي المطبق لمنهج الله.. ولقد قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه: (إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان موضع في الأرض وموضع في السماء.. أما الموضع في الأرض فهو مكان مصلاه الذي أسعده وهو يصلى فيه. وأما الموضع في السماء فهو مصعد عمله الطيب)...
*****************
نشر مهندس/أسامة ممود خليل
المكتب الفني الهندسي 
للبناء و التعمير و انشاء معماري 

الشخ الجليل /محمد متولي الشعراوي و حمد الله في فاتحة الكتاب (10)

حركة الحياة و وجوب الحمد من العبد لله
إذن، فكل حركة حياة في الدنيا من الإنسان تستوجب الحمد.. ولهذا لابد أن يكون الإنسان حامدا دائما.. بل إن الإنسان يجب أن يحمد الله على أي مكروه أصابه؛ لأنه قد يكون الشيء الذي يعتبره شرا هو عينه الخير. فالله تعالى يقول:
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }
[النساء: 19].
إذن، فأنت تحمد الله لأن قضاءه خير.. سواء أحببت القضاء أو كرهته فإنه خير لك.. لأنك لا تعلم والله سبحانه وتعالى يعلم.
وهكذا من موجبات الحمد أن تقول الحمد لله على كل ما يحدث لك في دنياك. فأنت بذلك ترد الأمر إلى الله الذي خلقك.. فهو أعلم بما هو خير لك.
فاتحة الكتاب تبدأ بالحمد لله رب العالمين.. لماذا قال الله سبحانه وتعالى رب العالمين؟ نقول إن { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } تعني حمد الألوهية. فكلمة الله تعني المعبود بحق.. فالعبادة تكليف والتكليف يأتي من الله لعبيده.. فكأن الحمد أولاً لله.. ثم يقتضي بعد ذلك أن يكون الحمد لربوبية الله على إيجادنا من عدم وإمدادنا من عدم.. لأن المتفضل بالنعم قد يكون محمودا عند كل الناس.. لكن التكليف يكون شاقا على بعض الناس.. ولو علم الناس قيمة التكليف في الحياة.. لحمدوا الله أن كلفهم بافعل ولا تفعل.. لأنه ضمن عدم تصادم حركة حياتهم.. فتمضي حركة الحياة متساندة منسجمة. إذن فالنعمة الأولى هي أن المعبود أبلغنا منهج عبادته، والنعمة الثانية أنه رب العالمين.
في الحياة الدنيا هناك المطيع والعاصي، والمؤمن وغير المؤمن.. والذين يدخلون في عطاء الألوهية هم المؤمنون.. أما عطاء الربوبية فيشمل الجميع.. ونحن نحمد الله على عطاء ألوهيته، ونحمد الله على عطاء ربوبيته، لأنه الذي خلق، ولأنه رب العالمين.. الكون كله لا يخرج عن حكمه.. فليطمئن الناس في الدنيا أن النعم مستمرة لهم بعطاء ربوبيته.. فلا الشمس تستطيع أن تغيب وتقول لن أشرق، ولا النجوم تستطيع أن تصطدم بعضها ببعض في الكون، ولا الأرض تستطيع أن تمنع إنبات الزرع.. ولا الغلاف الجوي يستطيع أن يبتعد عن الأرض فيختنق الناس جميعا..
إذن، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن عباده أنه رب لكل ما في الكون فلا تستطيع أي قوى تخدم الإنسان أن تمتنع عن خدمته.. لأن الله سبحانه وتعالى مسيطر على كونه وعلى كل ما خلق.. إنه رب العالمين وهذه توجب الحمد.. أن يهيئ الله سبحانه وتعالى للإنسان ما يخدمه، بل جعله سيدا في كونه.. ولذلك فإن الإنسان المؤمن لا يخاف الغد.. وكيف يخافه والله رب العالمين. إذا لم يكن عنده طعام فهو واثق أن الله سيرزقه لأنه رب العالمين. . وإذا صادفته أزمة فقلبه مطمئن إلى أن الله سيُفرِّج الأزمة ويزيل الكرب لأنه رب العالمين.. وإذا أصابته نعمة ذكر الله فشكره عليها لأنه رب العالمين الذي أنعم عليه.
فالحق سبحانه وتعالى يحمد على أنه رب العالمين.. لا شيء في كونه يخرج عن مراده الفعلي.. أما عطاء الألوهية فجزاؤه في الآخرة.. فالدنيا دار اختبار للإيمان، والآخرة دار الجزاء.. ومن الناس مَنْ لا يعبد الله.. هؤلاء متساوون في عطاء الربوبية مع المؤمنين في الدنيا.. ولكن في الآخرة يكون عطاء الألوهية للمؤمنين وحدهم.. فنعم الله لأصحاب الجنة، وعطاءات الله لمَنْ آمن.. واقرأ قوله تبارك وتعالى:
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }
[الأعراف: 32].
على أن الحمد لله ليس في الدنيا فقط.. بل هو في الدنيا والآخرة.. الله محمود دائما.. في الدنيا بعطاء ربوبيته لكل خلقه.. وعطاء ألوهيته لمَنْ آمن به وفي الآخرة بعطائه للمؤمنين من عباده.. واقرأ قوله جل جلاله:
{ وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }
[الزمر: 74].
وقوله تعالى:
{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
[يونس: 10].
***********************
نشر مهندس/ أسامة محمود خليل
المكتب الفني الهندسي
تصميم معماري و تنفيذ انشائي